رواية غير قابل للحب "ماڤيا" منال سالم

موقع أيام نيوز


اتجهت ببصري نحو فيجو وعلقت في نبرة ذات مغزى
هذا يعني أني تلقيتها عنه.
ثم سددت له هذه النظرة المغترة لكنه بادلني بنظرة مليئة بالمزيد من الغموض تخترقني وتربكني في نفس الآن. لم ينطق فيجو بشيء صمته كان يزعجني إلى حد ما لنقل أني أفضل حين نتجادل معا لا أن يكون الحوار أحادي الجانب. عدت لانتبه ل مكسيم عندما تابع كلامه

بالضبط بالإضافة لذلك كانت غالبية زجاجات الخمر مسمۏمة.
افترت شفتاي عن دهشة سريعة قبل أن أهتف في ذهول
ماذا!!
منحني مكسيم المزيد من التفسير بقوله
حين قام فريق التنظيف بإزالة الآثار من الشقة وجدوا قنينة خاصة بالسم ملقاة في سلة القمامة ولو كان فيجو لكان الآن في عداد الأموات.
همهمت ساخرة بصوت خفيض للغاية
يبدو أن لڠضبي فائدة.
لا أعرف إن كان فيجو قد قرأ ما يجول في خلدي أم لا لكن لمسته على كتفي أشعرتني بأني مكشوفة ككتاب مفتوح أمامه. ادعيت الابتسام وتساءلت
وماذا حدث بعد ذلك
ونهض من مكانه قائلا
جاء بك إلى هنا وتولى طبيبنا المخلص علاجك وانشغل فيجو بالإمساك بكل المتورطين في محاولة الاغتيال الفاشلة.
في داخلي قلت وأنا أجاهد لنفض الصور البشعة التي راحت ټقتحم مخيلتي
علمت ذلك.
رمشت بعيني حين خاطبني مرة أخرى موصيا إياي بلهجة جمعت بين اللين والحزم
أريدك أن تستريحي ولا ترهقي عقلك الصغير بهذه الأمور فكل شيء تحت السيطرة طالما ابني الزعيم موجود.
ثم وجه كلامه إلى فيجو بما بدا أمرا
ابق مع زوجتك وسأتولى أنا باقي التحقيق.
احتج عليه في تذمر طفيف
ولكن...
قاطعه قبل أن يبدي اعتراضه بإشارة صارمة من يده فابتلع فيجو باقي جملته في جوفه توقيرا له وظل واقفا إلى جواري لحين انصراف والده عندئذ انطلقت متسائلة في لهفة قلقة
لم
تجاوبني بعد

أين هي أمي وشقيقتي
تنهد سريعا وأخبرني
لقد عادتا إلى ميلانو.
فاق رده كل ما هو متوقع فانتفض واقفة في التو وسألته في ذهول
ماذا تقول كيف ذلك
ترنحت من وقفي المفاجئ فأمسك بي فيجو بقبضته القوية ليمنعني من الاهتزاز نظرت إليه في تعب ثم أجبرني على الجلوس وهو يأمرني
اجلسي لا داعي للوقوف وأنت تشعرين بالدوار.
حاولت النهوض من جديد لكن قبضته حالت دون وقوفي سألته في صبر نافد
لا تتركني هكذا من فضلك أخبرني كيف عادت الاثنتان إلى هناك والسيد مكسيم كان رافضا لهذا الأمر
حاد ببصره بعيدا عن نظراتي المتابعة له وقال
وجودهما ضروري فنحن بحاجة لتسوية بعض الأمور المعلقة.
سألته بقلب يدق في جزع
أيعني ذلك أنهما في خطړ
مال ناحيتي واستطرد في هدوء لكنه نجح في مضاعفة مخاۏفي
حلوتي كلنا في خطړ ما لم نتخذ حذرنا على الدوام.
اعترضت على محاولته إخافتي وقلت
هذا ليس برد.
هيا بنا أنت بحاجة للراحة.
علقت بتذمر
أريد أن اطمئن عليهما من فضلك أنا لا أطلب الكثير.
لم ينظر تجاهي وهو يخاطبني
لاحقا.
أدركت أن استمرار الضغط عليه لن ينفع بشيء فتوقفت عن إلحاحي ولذت بالصمت لكن ظل الصخب دائرا برأسي مسببا لي المزيد من الصداع المؤلم كنت بحاجة لإسكاته بالمسكنات القوية ويا ليت كل شيء مؤلم معنويا يزول بها مثله!
.......................................................................
هل بإمكاني منح الغفران لمن لا يستحق
ظل هذا السؤال المحير يراود عقلي بعد أن وضعني فيجو على الفراش وتراجع عني بضعة أمتار لينشغل بالحديث هاتفيا لم أسمع غالبية ما يقوله فقد كانت نبرته إلى حد كبير مقتضبة وخاڤتة. راقبته من موضعي بنظرات شبه حذرة كان يوليني ظهره يتطلع عبر نافذة الشرفة يقف شامخا منتصبا هادئا لا يبدو عليه الخۏف أو الفزع على عكسي أنا التي أخشي إطباق جفني على بعضهما البعض لأرى شبح چثة الخادمة وهي تتطلع إلي في لحظة بعجز قبل أن تتمدد أمامي مېتة في اللحظة التالية.
ما زالت مندهشة من قدرته على التعامل مع القټل بهذه الدرجة من الثبات فأنا بالكاد أحاول استعادة انفلات أعصابي وتجاوز ما خضته رغم شكي بأنه لن يمضي بسهولة. طال تحديقي الشارد فيه مستمرا إلى أن تنبهت لالتفافه وتطلعه تجاهي حينئذ تلبكت بشكل ملحوظ. لم يعلق علي وسألني في جدية
هل هناك خطب ما
رمشت بعيني قائلة
لا.. لا شيء.
لاحظت كيف يتفقد بشكل تلقائي قبل أن يضيف
أبلغني أفراد التأمين أن الطبيب قد جاء سيأتي إليك فورا.
هززت رأسي هاتفة في إيجاز
جيد.
ترددت قبل أن أكرر طلبي عليه
أريد أن أطمئن على أمي وشقيقتي.
نظر ناحيتي معقبا وهو يدس يديه في جيبي بنطاله
لاحقا.
جلست مستقيمة على الفراش وأخبرته بإصرار
ولكني لن أشعر بالارتياح إلا بعد رؤيتهما أو على الأقل سماع صوتهما.
طالعني بهذه النظرة الغامضة قبل أن يقول
كلتاهما بخير.
لم أكن مقتنعة برده فأضاف كنوع من الإيضاح
كما أن لوكاس معهما فلا داعي للقلق مطلقا.
غمغمت بغير صوت وقد انقلبت سحنتي
اللعڼة هذا ما كان ينقص شقيقتي.
على ما يبدو لاحظ ما انتشر على قسماتي من انزعاج فاستطرد
يبدو من ملامح وجهك أنك غير راضية.
بررت له سبب مخاۏفي فقلت
أنت تعلم ابن عمك وشقيقتي ليست من النوع المتساهل.
أصغى إلي باهتمام فواصلت كلامي بصيغة متسائلة
لماذا أرسلتهما بعيدا إن كان سيظل لصيقا بها
راوغني حين أجاب وقد أخرج يديه ليكتف ساعديه أمام صدره
قلت لك طرأت بعض المستجدات هناك وأردت ذهابه بنفسه لتسويتها.
ظلت ملامحي متجهمة وأنا أخاطب نفسي بخفوت
لا أظن أنها ستمر على خير بوجوده فهو كآلة قتل متنقلة.
يبدو أنه رأى ما ينعكس من أمارات الضيق على كامل تقاسيم وجهي فقال
لم أسمعك.
تنحنحت معقبة بارتباك
لم
أقل شيئا.
نظراته ناحيتي

عنت أنه لم يصدقني فأشحت بعيني بعيدا عن هذه النظرة الفاحصة التي تبدو كما لو كانت تنفذ إلى أعماقي لتسبر أغواري. طرقات متقطعة على الباب منعته من الإلحاح في حصاره لي بالأسئلة أعقب ذلك استئذان أحدهم بتهذيب زائد
هل تسمح لي بالدخول سيدي
اتجهت بناظري نحو الباب فرأيت ذلك الطبيب مارتي الذي أشرف منذ مدة على رعاية والدتي جاء بنفسه اليوم لأجلي وخمنته أنه كذلك من تولى مسألة متابعتي الطبية. أشار له فيجو برأسه ليدخل قائلا
تفضل.
تقدم تجاه الفراش وأسند حقيبته الصغيرة على الطرف ثم رمقني بنظرة شمولية وهو يسألني
كيف حالك سيدتي
أجاب فيجو عني موضحا بيده
أصابها دوار قبل قليل وتشكو من الألم في كتفها.
أخبره مارتي في هدوء
هذا متوقع فالإصابة لم تكن سهلة.
انحنى ناحيتي وراح يدقق في فحصه لموضع الإصابة بتأن شديد ثم أكمل حديثه بصوت رزين لكنه في غاية الجدية
إن انخفضت فقط هذا القدر لربما اخترقت قلبها وفارقت الحياة في التو.
انقبض قلبي خيفة من مجرد تخيل الأمر وتنهدت هاتفة في بسمة زائفة لأخفف من وطأة الأمر واستخف به
ما زال في عمري بقية.
للدهشة الشديدة أتى تعليق فيجو صاډما لي بدرجة لا يمكن تخيلها
هذا لحسن حظي فكيف أحيا بدونها
رفعت بصري ناحيته وتساءلت بفم مفتوح من عظم الاندهاش
ماذا
تعابير وجهه كانت هادئة غير مقروءة من الصعب تفسيرها وهذا ما كان يحيرني فليس من السهل أن تكشف ما يظهر عما يبطن. تنبهت لكلام مارتي وهو يضيف
قد تحتاج فيما بعد لعملية تجميل.
اعترض عليه فيجو بنفس الصوت الهادئ وكامل عينيه مسلطة علي
أريد أن تبقى الندبة كما هي.
زويت ما بين حاجبي في دهشة فقال بشبح ابتسامة تشكلت على زاوية فمه
لتذكرني بتضحيتها العظيمة من أجلي.
لم أعرف إن كان يتحدث بجدية أم يسخر مني ولو أني اعتقد في الأمر الأخير لكوننا نعلم جيدا طبيعة ما دار انتظرت بفارغ الصبر انصراف الطبيب لأسأله
أتصدق هذا الهراء
من جديد أرخى ساعديه ووضع كفيه في جيبي بنطاله فتابعت موضحة بنفس النبرة المتسائلة
أني ضحيت لأجلك
ظل يتطلع إلي في هدوء فأوضحت
لقد كنت أفرغ ڠضبي العارم فيك أم أنك نسيت
خاطبني بغموض غير كاف
سنجعل الجميع يعتقدون في تضحيتك.
ضاقت عيناي بمزيد من الحيرة فاستطرد مضيفا
خاصة السيدات القادمات لرؤيتك.
سألته في تحير
من هؤلاء
وقبل أن يجاوبني أبديت رفضي للفكرة برمتها
لا أريد مقابلة أحد.
حينئذ تبدلت تعابيره للتجهم وقال في تشدد دون أن يحرر كفيه من جيبي بنطاله
اسمعيني جيدا أنت زوجتي وعليك الكثير من المهام الضرورية منها لقاء زوجات رجالنا المخلصين وسماع ما يدور بينهن من أحاديث جانبية ونقلها إلي.
رددت بصراحة ما فهمته من سياق الكلام
إذا قل أنك تريدني أن أصبح جاسوستك.
لم يبد مباليا بتهكمي المعارض له وقال
لا تفرق معي التسمية المهم النتيجة في الأخير.
حدت بنظراتي متجنبة التحديق فيه وشردت لحظيا لكن في داخلي دمدمت بإحباط غريب
وأنا ظننتك تهتم بي.
رفعت رأسي ناحيته عندما تكلم من جديد
سأذهب الآن وستأتي إحدى الخادمات لمتابعتك.
علقت في مرارة
لا أريد يكفي قتل واحدة اليوم.
وقف بجوار الباب معلقا بسخرية
إن ماټت سأحضر لك غيرها.
ثم غمز لي بطرف عينه هل من المفترض أن ابتسم على ما بدا له أنها طرفة عبست أكثر بتعابيري وتابعت ذهابه لاستلقي بعدها بظهري على الوسادة المريحة وأنا أخبر نفسي
لا تبدو الأمور مبشرة أبدا!
...................................................................
في الليالي التالية احتجت للمهدئات لأتغلب على الكوابيس المخيفة التي انتابتني كلما غفوت أو رحت في سبات عميق كلها كانت تحوي جرائم قتل بشعة إما أن اتخذ موضع المتفرج فيها خاصة أني اندفع مرة واحدة خلال نهوضي
وصوت صړاخي يعلو أحيانا

أجد فيجو يهزني برفق لأستفيق حينئذ أنظر إليه بارتعاب فيخبرني ألا أخاف فانكمش على نفسي خيفة منه لاحظ مدى رهبتي منه لهذا كان لا ينهرني لشعوري المبرر ناحيته وفي أحيان أخرى أكون بمفردي أتصبب عرقا.
في المرة الأخيرة عندما أفقت من معايشة كابوسي المفزع لم أكن وحيدة وجدت امرأة غريبة إلى جواري تمكث معي في غرفة نومي دون أن أكون واعية لحضورها. نظرت إليها باسترابة مستنكرة وسألتها بأنفاس غير منتظمة
من أنت
أجابت ببسمة مهذبة وهي تخفض رأسها
أنا الخادمة الجديدة سيدتي.
وقبل أن أباشر بالانتقال للسؤال التالي كانت الأسبق في إضافة ردا مشبعا لحيرتي
لقد أرسلني السيد فيجو لأكون إلى جوارك وفي خدمتك طوال الوقت.
تحكمه الزائد في حريتي خاصة خلال غيابه طوال هذه الأيام العصيبة أزعجني بشكل كبير فأفرغت شحنتي العصبية في الخادمة وصحت بها
لا أريد أحدا بداخل غرفة نومي اذهبي من هنا.
ثم رحت أتحسس بيدي كتفي بعد أن نزعت الجبيرة عنه للغرابة أصرت الخادمة على البقاء رغما عني فقالت
ولكنه أمرني بهذا لا أقدر على عصيانه خاصة حينما لا تكونين على ما يرام.
احتدت نظراتي ناحيتها ورأيتها تبسط يدها تجاهي بعد أن التقطت شيئا من على الكومود لتأمرني رغم الأدب الظاهر في صوتها
من فضلك تناولي هذا.
ضاقت عيناي بشكل واضح وسألتها في تجهم
ما هذا
أجابت بنفس الوجه الجليدي
إنه الدواء الذي وصفه الطبيب لحالتك سيفيدك كثيرا ويهدئ من روعك.
نفضت يدها محتجة لأطيح بالقرص الدوائي الموضوع في الطبق الصغير في الهواء
لا أريد.
ثم أمرتها في حدة وأنا أشير بسبابتي
هيا اذهبي أريد البقاء بمفردي.
انحنت لتلتقط القرص بعد أن حددت موضعه ثم استقامت واقفة وخاطبتني في لهجة متأدبة
أعتذر منك لكنها الأوامر سأظل باقية هنا إلى أن يعود السيد فيجو
عندئذ قمت من رقدتي وأزحت الغطاء عني لأقف في مواجهتها دفعتها
 

تم نسخ الرابط