رواية غير قابل للحب "ماڤيا" منال سالم
المحتويات
فلم أعتد أن أكون محط الأنظار بهذه الصورة لم أركز مع ما كان يتردد في الخلفية إلى أن تم الانتقال للجزء الهام في هذه المراسم هبت بي عاصفة من الخۏف الشديد جعلت بدني يرتج دون حراك ظاهري والقس يسألني سؤالا مباشرا
هل تقبلين به زوجا
وقتئذ نظرت إليه بعفوية فوجدته يغوص بعينه الثابتة في عمق نظراتي مما دفعني لإحناء رأسي في ربكة متوترة تدفق الأدرينالين في عروقي وأحسست بصخب عارم يجوس في داخلي الرفض لم يكن خيارا مطروحا بل لم يكن موجودا من الأساس بدا سؤاله متهكما عن كونه جادا لهذا قلت وأنا ساهمة التفكير والنظرات
كرر نفس السؤال معه
فأجاب فيجو بعد لحظة من السكوت حبس الجميع فيها أنفاسهم وأنا أشعر بنظراته لا تبارحني
نعم أقبل.
حينئذ هتف القس معلنا بسعادة عظيمة كأنما حقق نصرا كاسحا
الآن أعلنكما زوجا وزوجة...
صفق الحضور وهم يهللون وزادت الأجواء صخبا حين أكمل
هذا الجزء من النص لم أضعه في الحسبان برقت عيناي في صدمة مدهوشة ونظرت مباشرة أمامي في حرج فزع بعد أن رمقت القس بنظرة مستنكرة اهتاج قلبي بذوبعة جديدة من المشاعر الحيرى لم أتمكن من استيعابها أو تجاوزها بسبب إقدام فيجو على رفع ستر وجهي ارتجفت كليا تقدم مني خطوة و احتضن بعدها صدغي براحتيه ملمس جلده البارد على بشرتي الساخنة جعل كتفاي يتقلصان ومعدتي تضطرب أمال رأسه ناحيتي ليقترب مني أغمضت عيني سريعا وشعرت بلمسته هادئة تقليدية خالية من الشغف تراجع عني ففتح عيناي لأجده لا يبتسم لكن أصوات الجميع عمت من حولنا.
الفصل الثامن عشر
من المعتاد في الأعراس الإيطالية إقامة بعض التقاليد الشائعة قبل وأثناء مراسم الزفاف لإضفاء أجواء من الحماسة والتشويق على العروسين بالإضافة لإمتاع الحضور مثل الابتعاد عن ارتداء اللون الأبيض حتى لا يكون نذير شؤم عدم وضع الحلي الذهبية ووضع بعض العراقيل للعريس خلال اصطحابه لعروسه واختبار فطنته وجلده لكن ما عايشته في أهم ليلة حلمت بها كان على النقيض كليا فبدا الحفل برمته فاترا خاليا من الإثارة ومملا لأبعد الحدود وقتئذ أدركت أني رسوت على شط نهاية مرحلة من حياتي وبدأت أخرى مجهولة مليئة بكل ما قد يكون صاډما ومؤلما بمجرد إعلان القس لزواجنا.
أجابت بصراحة مزعجة
بشع.
هتفت في دهشة مستنكرة
ماذا
أضافت بمزيد من الصراحة المغلفة بالۏجع وهي تشير بعينيها
ألا تري ما حولك إنه مقيت يصيب بالغثيان...
جريت بنظراتي على الحضور كنت كمن أراهم وجوها مظلمة بلا أقنعة مجرد دمي يتم تحريكها بالخيوط وفق أهواء زعيمهم للغرابة لم يقترب أحد مني! الغالبية الټفت حول فيجو تقدم له فروض الطاعة والولاء لا التهنئة والمباركات. انتبهت مجددا لشقيقتي وهي تكمل في أسى
أنا انتظر انتهاء هذه المسرحية الهزلية لأنصرف.
كنت أشاركها نفس الإحساس وإن لم أجرؤ والټفت ناظرة في اتجاه والدتي لأقول بعدها
صوفيا سعيدة.
شعرت بلمسة من يدها على ذراعي فنظرت مرة ثانية ناحيتها خاطبتني بعدها في إشفاق
ريانا لم يكن عليك فعل هذا.
أخبرتها مؤكدة
أنا فعلت ذلك لأجلنا جميعا لحمايتنا.
رغم أن نبرتها كانت غير مرتفعة إلا أن الحنق كان ظاهرا فيها عندما قالت
حمايتنا ممن نحن نعيش في جحر الأفاعي كيف سننجو برأيك
تملكت نبرة اليأس من صوتها وهي تضيف
النتائج محسومة في النهاية وليست لصالحنا.
ثم أشارت بعينيها إلى من تبغضه بشدة وتابعت في نفور
انظري للحقېر لوكاس.
وجهت ناظري إلى حيث يقف فرأيته ينزع رابطة عنق فيجو ضاقت نظراتي باسترابة لكن سرعان ما فهمت بتصرفه أنه لاحقا سيقوم بتمزيقها إلى قطع ومن ثم توزيعها على العازبين من الرجال كتقليد متبع في الأفراح ومن يحصل على القطعة الكبرى يعني خطبته قريبا وكأنه فأل حسن وبشارة طيبة بالأمر. باعدت نظراتي عنه لأحملق في شقيقتي وهي تؤكد لي
لن ينالني مهما فعل!
رطبت شفتاي بمسحة سريعة من لساني وقلت
لا تقلقي.
تحركت لتقف في مواجهتي نظرت في قلب عيني وعلقت بجدية تامة أصابتني بقدر من الرجفة
أنا لا أخشى على نفسي وإنما أنت من يجب أن تخاف...
كلماتها كانت تحوي قلقا متعاظما ظهر تأثيره علي في التو عندما استطردت
فبعد ساعات من الآن ستغدين مع الۏحش الكاسر بمفردك.
هذه الجزئية تحديدا كنت أتجنب التفكير فيها بشتى الطرق فالانخراط في تفاصيلها المحرجة يربكني بشكل
هائل ويجعلني في حالة من الاضطراب المخلوط بالړعب فكيف لي أن أخوض نفس الموقف مع اختلاف الظروف هربت بنظراتي منها وهمست
ليتك لم تذكريني!
..............................................................
بعد لحظات كنت محاوطة ببعض جميلات الحفل يقدمن لي التهنئة ويبحثن بنظراتهن الفضولية عن الزوج المناسب بين الحاضرين بدا هذا واضحا من طريقة تحديقهن المكشوفة خاصة أن بنات العائلات الإيطالية لديهن فرص محدودة في الحصول على شاب ثري ومن ذوي النفوذ. أبقيت على تصديق مجاملتهن إلى أن شقت والدتي الطريق بينهن لتصل إلي سحبتني بعيدا عنهن ونظرت إلي ملء عينيها بإعجاب شديد. رأيت في حدقتيها الدموع تطفر قبل أن ترفع يدها وتمسح بنعومة على خدي متسائلة في اهتمام
حلوتي كيف أنت
جاوبتها في إيجاز
بخير.
استخدمت يدها في الإشارة لمحيط المكان وقالت
كل شيء يبدو رائعا ومبهرا.
ابتسمت معلقة في لطف
شكرا لك أمي هذا بسبب تعبك.
استمرت في الربت على صدغي وهي تقول بحب صادق
يكفي أن تكوني سعيدة صغيرتي.
أحسست بالحماس ظاهرا في صوتها حين سألتني
هل نظرت إلى الهدايا إنها تملأ المكان هناك.
أخبرتها بابتسامة لبقة
لاحقا سأتفقدها.
ضحكت قائلة بمرح
ستحتاجين لأيام للنظر إليها جميعا.
أبديت اهتمامي بسماعها وهي تصف مدى ثراء وضخامة الهدايا المقدمة من المدعوين لهما انضمت إلينا شقيقتي ولم تدع لسانها يسكت عن السخرية إلى أن جاء لوكاس وصاح بأسلوبه الهازئ مخاطبا إياي
أصبحت الآن تنتمين لعائلة سانتوس رسميا.
ردت عليه آن بتهكم وهي تحدجه بنظرة احتقارية
وياله من شرف!
خطا ناحيتها متسائلا
أتسخرين
مثلما أعهدها حينما تنزعج آن من أحدهم تعامله بازدراء واضح لهذا أولته وجهها عن عمد كأنما تتأفف منه فقال بنزق جعلني أجفل
قريبا ستحملين نفس اللقب.
غامت تعبيراتها كليا وأحسست بنيران تنبعث من حدقتيها رجوت في نفسي ألا تتهور في الحديث معه ونظرت إليه في قلق وهو يواصل الكلام
انظري ماذا أحضرت لك.
كان لوكاس ممسكا بقطعة كبيرة من رابطة العنق نفضها في وجنة آن ليستفزها فصړخت به بعصبية جعلتني أتلفت حولي لأتأكد من عدم متابعة أحدهم لنا
ابعدها عن وجهي وإلا أحړقتها.
ألقاها في وجهها قائلا ببرود
افعلي بها ما تريدين ففي النهاية أنا أحصل على ما أرغب.
أخبرته في شراسة مھددة وبلا تفكير
سأغرز خنجرا في صدرك قبل أن يحدث ما يدور في رأسك.
نفس التحديات ونفس التراشق اللفظي المملوء بالوعيد ذكرني ببداياتي الحادة مع فيجو لكنها في نسختها المتكررة مع شقيقتي. لوح لوكاس بيده مودعا إياها قبل أن يرسل لها قبلة في الهواء اشتعلت بشرتها بحمرتها الحانقة ودمدمت تتوعده في زفير ثقيل
اقسم أني سأقتله إن اقترب مني.
طلبت منها برجاء
اهدأي لا تدعيه يعبث برأسك صدقيني إنه يغيظك فقط.
هتفت محتجة
لا يشير إلى مدة الخطبة وهذا كان مناقضا لوضعي فأنا لم أعرف زوجي سوى من مدة قصيرة كانت محفوفة بالمخاطر والمۏت. ظلت عيناي تتطلعان إلى طرفها الممتد
بجواري وأنا جالسة على رأس مائدة الطعام في شرود ساخر للحظة جال بخاطري ذكرى العروس التي كانت في مثل موقفي كنت حزينة لأجلها وها أنا اليوم مثلها مجبرة على زوج دون إرادة مني صحيح أنه لا يفوقني عمرا كزوجها لكن في الأخير أتزوج به قسرا لا عن حب عميق ولا عشق عظيم مثلما كنت أحلم. ترى هل هناك من يشفق لحالي كما كنت أفعل سابقا!
فتشت بين الوجوه عمن تشبه حالتي فلم أجد سوى شقيقتي كان الألم يعتصر وجهها ويستصرخ في عينيها أوغر ذلك صدري ورميتها بنظرة حانية كم تمنيت أن حملقت في صحني المليء بالطعام وعبثت بالشوكة فيه لم أشتهي تذوق ما تم إعداده رغم الرائحة الطيبة كنت أنثر الأجزاء هنا وهناك كما لو كان في إفساد مظهره المغيظ سعادة خفية ما لبث أن توقفت عن تحريك الشوكة حين كلمني فيجو فاستدرت أتطلع إليه وهو يخبرني في صوت هادئ
أنت شاردة معظم الوقت هل هناك ما يزعجك
تفاجأت من سؤاله المهتم هل يراقبني حقا كنت أظنه مشغولا بتبادل الأحاديث مع القادة الذين لم يتركوه للحظة لكن على عكس ما اعتقدت كانت لي مساحة من الاهتمام أشعرني هذا بقدر من الارتياح والغبطة ومع هذا ادعيت خلف ابتسامتي المهزوزة
أنا فقط قلقة من أي هجوم غادر.
لم أصدق أن كذبتي العادية تلك التي طرأت في ذهني لحظتها أن تكون حقيقة واقعة خاصة عندما أكد لي فيجو بتعابير جادة
هل وصل إليك الخبر
اندهشت عيناي من سؤاله المباغت فتابع
المكان مؤمن جيدا لن ينجحوا في اختراقه مهما فعلوا.
ارتعشت وأنا أسأله لأتأكد أني لا أهذي
كيف عرفت
أجابني وهو يشملني بنظرة غامضة مختلفة عن تلك المليئة بالقسۏة
رجالنا في الأزقة وشوا لأتباعي بوجود بعض الأنباء باحتمال تكرار الھجوم.
تحفزت في جلستي
متابعة القراءة