رواية رحلة اثام بقلم منال سالم

موقع أيام نيوز

حانقة
إنت هتعرفني أعمل إيه ومعملش إيه نسيت نفسك ده أنا مداري على كل بلاويك 
وقفت مهاب في مواجهته لا يبدو على ملامحه أدنى تغيير بينما استمر سامي في إطلاق سهام غضبه المحموم عليه
ولا تكون فاكر إنك بكلمتين هتضحك على فؤاد باشا ويرجع يصدقك من تاني!!
ابتسم له شقيقه الأصغر بغير اكتراث ليجعل بذلك نيران الغيرة تأكله أكثر ثم تكلم إليه وهو يربت على جانب ذراعه
اعمل اللي إنت عاوزه في النهاية كل اللي يهمني صحة بابا وسلامته 
استشاطت نظراته بشدة فقابلها مهاب بابتسامة وديعة واثقة قبل أن يوليه ظهره ليسير عائدا تجاه مكتبه التقط أحد الملفات من على سطحه وقال وهو ينظر إليه من طرف عينه
مضطر أسيبك تهري مع نفسك وأشوف اللي ورايا هنا 
بدا وجه سامي محمرا للغاية عاكسا لما يستعر في داخله من حقد مشوب بالغيرة العظيمة تابع مهاب سيره نحو الباب قائلا بلهجة شبه آمرة
ابقى اقفل الباب بعد ما تطلع 
انتظر ذهابه ليلعنه
غبي مفكر نفسه مسيطر على كل حاجة 
اتجه إلى حيث الهاتف الأرضي أمسك بالسماعة ولف القرص الدوار محدثا نفسه
استعد بقى لنهايتك 
أمضى الليل غافلا على الأريكة في صالة بيته فشعر حينما استيقظ بتيبس فقرات عنقه وپألم متفرق في أنحاء جسده المتعب مسبقا كان وجهه مرهقا أسفل عينيه شبه أسود فقد بقي يقظا لما بعد الفجر بقليل إلى أن غلبه النعاس وسقط نائما صريع الإنهاك تمطى عوض بذراعيه ودعك برفق الأجزاء التي ما زالت تؤلمه ليخفف من حدة الۏجع وضب مكان نومه ثم
نهض سائرا تجاه الحمام ليغسل وجهه تباطأ في مشيه حينما نظر إلى باب غرفته المغلق كل ما دار في خلده في هذه اللحظات هو أحوال زوجته أراد تفقد أحوالها لكنه تراجع عن هذه الفكرة في التو محاولا منحها المزيد من الوقت لتتجاوز حاډثة الأمس  
لم يكن قد انتهى بعد من تجفيف وجهه حتى سمع الطرقات المتعاقبة على باب المنزل ألقى بالمنشفة على المشجب الموجود خلف باب الحمام الخشبي وأسرع الخطى نحو الخارج ما إن فتح الباب حتى انطلقت في وجهه زغرودة مبتهجة أعقبها هذه الجملة التقليدية الفرحة من خالة زوجته
صباحية مباركة يا عريس 
تنحى للجانب ليفسح لها بالمرور مع ما تحمل في يديها قائلا
الله يبارك فيكي اتفضلي يا خالة البيت بيتك 
كذلك ألقى التحية على حماته وحمل عنها الأغراض التي جاءت بها هاتفا
عنك 
نظر إلى ما أحضرته الاثنتان بدهشة حرجة فكلتاهما جاءتا محملتين بكل ما لذ وطاب لإطعامه هو وزوجته التي لم يرها منذ الأمس تنحنح مرددا بحرج ظاهر على قسماته قبل نبرته
مكانش ليه لزوم التعب ده!
ضحكت أفكار مرددة في مرح
دي حاجة بسيطة ترم بيها عضمك 
لم تخبت ابتسامتها المتسعة وهي تتم جملتها
وعقبال ما نشوف عوضكم يا رب 
قال مجاملا وهو ينقل ما جاءتا به إلى داخل المطبخ
إن شاءالله 
استوقفته حماته بسؤالها المهتم
أومال العروسة فين 
بلع ريقه وقال
جوا تقدروا تخشوا عندها 
ردت عليه أفكار بأسلوبها المبتهج
تعيش يا عوض 
أمل في قرارة نفسه أن تكون زوجته قد استراحت بدنيا وذهنيا مما خاضته ليلة الأمس وإلا لوقعت أسيرة حصار جديد من اللوم والعتاب فهذه هي طبيعة الحياة هنا في المناطق الشعبية لا مكان للخصوصية ولا مجال لتقدير المشاعر الإنسانية حينما تكون منتهكة ومستنزفة 
مرة ثانية انطلقت الزغاريد عاليا من حلقها وهي تضع يدها على المقبض لتفتح الباب استعدادا لرؤية ابنتها العروس الخجلى في أبهى صورة لها أطلت بوجهها باحثة بنظراتها اللهفى عنها ولسانها يسبقها في التهنئة
مبروووك يا دوسة آ 
بترت عبارتها عن عمد حينما وجدتها لا تزال متكومة على طرف الفراش وترتدي ثوب عرسها انفلتت منها شهقة مستهجنة وأسرعت ناحيتها تسألها في جزع
إيه ده إنتي لسه بفستانك
لحقت أفكار بها ونظرت إليها مصډومة قبل أن تعنفها في استياء وبمشاعر متحجرة
يا خيبتك!
نظرت عقيلة إلى شقيقتها بنظرة سريعة ثم حولت بصرها عنها لتسأل ابنتها في جزع متصاعد وعيناها تتفحصان وجهها المنتفخ بقلق أكب
مالك عاملة كده ليه
بدلا من إجابتها أجهش بالبكاء المرير فانقبض قلب أمها عليها في حين وبختها أفكار بتعبير ممتعض
بذمتك ده منظر عروسة تفتح نفس جوزها في صباحيتها
ردت عليها عقيلة تعاتبها
بالراحة عليها يا أفكار خلينا بس نفهم في إيه
زمت مرددة في سخط وهي تشير بيدها
ما هي الحكاية مش محتاجة تفسير الجواب باين من عنوانه!!
جلست عقيلة مجاورة لابنتها ومدت يدها لتمسح عنها الدموع وهي تتساءل في توتر
احكيلي في إيه حصل
من بين بكائها الشديد ردت نافية
محصلش حاجة يامه أنا صعبان عليا نفسي واللي جرالي 
هدأت مهاج عقيلة إلى حد ما وحاولت مواساتها بكلماتها الآسفة 
متزعليش يا بنتي كله مقدر ومكتوب 
مرة ثانية وأضافت بازدراء
وربنا وشك يقطع الخميرة من البيت!
لم تتحمل فردوس أي إهانة وهي في هذه الحالة البائسة سلطت نظراتها على خالتها وصاحت في حنق
عاوزاني أقوم أرقص وأفرح بعد اللي اتعمل فيا
هزت أفكار كتفيها مرددة وبإيماءة من رأسها
أيوه وتجيبي طبل وزمر وتمشي رافعة راسك وسط الخلق 
نظرت عقيلة إليها بحاجبين معقودين فتابعت شقيقتها بلؤم
يا عبيطة لو مكانش ده حصل كانوا قالوا عنك 
يا ليل 
ثم أشارت لشقيقتها لتنهض لتجلس مكانها واستمرت في إخبارها
إنما دلوقتي إنتي تقدري تقولي للأعور إنت أعور في وشه من غير ما تحسي إنك قليلة 
راحت فردوس تكفكف دمعها بظهر كفها فطلبت منها خالتها بلهجة مالت للأمر
قومي كده تعالي معايا نغيرلك هدومك 
أخبرتها في صدق وهي تشير بيدها إلى موضع قلبها
أنا موجوعة من جوايا ومن آ 
عجزت عن إكمال جملتها حرجا لكن بدت شكواها مفهومة لأمها وخالتها فوخزات الأمس الحادة لن تتعافى بين عشية وضحاها ضحكت أفكار مستخفة بألمها وعلقت وهي تقوم واقفة
بلاش دلع مرئ!
ثم جذبتها من ذراعها عنوة وهي تلح عليها
قومي يالا بلا هم ده إنتي عروسة لسه بكرتونتها مش خرج بيت!
رغم التجهم المستحوذ على ملامح وجه عقيلة إلا أنها كانت مثل شقيقتها لا تريد لابنتها الوقوف عند لحظة بعينها وتناسي مسئولياتها الجديدة كزوجة عليها ترسيخ دعائم علاقتها مع زوجها لتضمن استمرار حياتها في ظل وجود والدته المتسلطة فالأخيرة ذات تأثير مهدد لاستقرارهما كعائلة  
لم يمر على وجوده بالمشفى عدة أسابيع إلا وكل بضعة أيام تظهر شكوى غريبة في حقه على أمل النيل من سمعته وزعزعة وضعه كجراح مخضرم ومع ذلك كان قادرا على التعامل بحنكة مع ما يتعرض له من شكاوي مغرضة متوقعا من يقف خلفها لإزعاجه ومضايقته لكنه غض الطرف عن هذه التفاهات إلى أن انتهى المطاف بوجود قوة من أفراد الشرطة تحاصره في مكتبه وكأنه مچرم خطېر على وشك الهروب حيث تم اتهامه في محضر رسمي بالتسبب في ۏفاة أحد المرضى عن طريق الخطأ أنكر مهاب هذا الاتهام الصريح وهتف نافيا إياه بتحيز ثائر
دي تخاريف!
رد عليه الضابط المسئول
برسمية بحتة
يا دكتور البلاغ بيقول إنك عملت العملية كمان بدون موافقة أهل المړيض ودي مشكلة تانية خطېرة 
طرق بقبضته المتكورة في تعصب على السطح الزجاجي ورد مؤكدا في ڠضب مبرر
محصلش!
أشار له الضابط بالتحرك وهو يخاطبه في لهجة جامدة
يا ريت حضرتك تتفضل معانا بهدوء على القسم وهناك هتعرف كل التفاصيل 
كان من الصواب في مثل هذه الظروف التصرف بتعقل وروية لكشف الحقائق بدلا من إثارة البلبلة بلا داع لذا سحب مهاب نفسا عميقا يثبط به انفعالاته الثائرة وقال بعد زفير سريع
مافيش مانع عندي بس الأول هكلم المحامي بتاعي 
رد الضابط في هدوء مقتضب
براحتك 
المحڼة التي ظن أنها ستقضي على مسيرته الطبية دون ذنب فعلي حلت بخبرة فريق المحامين المخضرمين وتم كشف ملابسات البلاغ المدسوس من أجل إيقاعه في وقت وجيز فالمړيض الذي اتهم بالتسبب في ۏفاته خطئا كان اسمه غير مسجل بسجلات المشفى الرسمية وبالتالي كان من غير المعقول أن يقوم مهاب بإجراء جراحة له وهو لا يمارس عمله إلا بذلك المشفى فقط ناهيك عن عدم تخصصه في إنهاء أي إجراءات قانونية تخص أي مريض فمهمته كانت محددة القيام بالعمليات الجراحية فور تأكد فريق يعمل تحت يديه من إعداد كل شيء  
أثبتت التحريات صحة ما قدم من بيانات رسمية وأطلق سراحه في الحال ليتجه مهاب إلى مقر شركة عائلة الجندي وقد عرف من يقف وراء ذلك الملعوب الخبيث دون استئذان اقتحم غرفة المكتب الخاصة بوالده حيث يمكث فيها سامي معتقدا أنه قد بات المسئول الوحيد عن إدارة كافة الأعمال ويملك السلطة المطلقة لتسيير الأمور وفق رغباته هو ولا أحد غيره توتر وانتفض واضطرب في جلسته حينما رأى شقيقه الأصغر بشحمه ولحمه يقف قبالته وكأن شيئا لم يمسه استطرد الأخير متكلما في صوت ينم عن قوة مهيبة
كنت
مفكر إن حركة عبيطة زي دي هتجيب نتيجة معايا
تلجلج وهو يرد عليه متسائلا بعدما نهض واقفا
إنت قصدك إيه
حاول بحيلة مكشوفة تعنيفه للتغطية على رهبته منه مشيرا له بسبابته
وبعدين إنت إزاي تتدخل عليا المكتب كده!!!
تقدم مهاب ناحيته وهو يشمله بنظرات احتقارية تحمل ضغينة عميقة تجاهه فما تعرض له كان بإيعاز منه بالكاد حافظ على هدوء نبرته وهو يخاطبه هازئا
المرادي ذكائك المحدود خانك يا سامي 
إهانته لشخصه كانت صريحة غير متوارية لم يتحملها كعادته وصاح به متشنجا
إنت إزاي تكلمني كده أنا أخوك الكبير وآ 
قاطعه في صوت مهدد
ما تفكرش إني هعديهالك 
انعكس الذعر على محياه فتوجس خيفة منه وهو يرى نظراته الممېتة مرتكزة عليه وكأنه يود الفتك به ما لبث أن هوى قلبه بين قدميه حينما أكد له بلهجة غير متساهلة إطلاقا
لأني مش برحم اللي يفكر بس يأذيني 
استغرقها الأمر الكثير من الوقت لتعود إلى ممارسة روتين حياتها اليومي بشكل شبه طبيعي وكان أول ما قررت فعله هو مهاتفة والدتها بعد انقطاع دام لأشهر خجلت خلالها من الاعتراف لها بالخطأ الجسيم الذي بطنها المتكور ودارت بيدها عليها في حركة دائرية رقيقة بعدما أحست بوكزة خفيفة في جانبها لاح على ثغرها بسمة ناعمة فهي لم تظن أنها ستكمل ذلك الحمل لكن بذرة المشاعر الأمومية التي صحت بداخلها جعلتها تتراجع عن فكرة التخلص منه رغم مساوئ زواجها غير الموفق من مهاب شجعها على ذلك أيضا غيابه عنها ودعم ممدوح لها فقد أصبح أكثر قربا منها وتخطت مكانته لديها حدود الرفيق المخلص لتتوطد صداقتهما بشكل غير معقول لكنها لم تتجاوز حدود المباح حيث أبقت على وجود مسافة حذرة في علاقتها به 
انتشلها من شرودها الذي طال صوت والدتها شبه الباكي حينما أجابت عليها بعد انتظار استمر لما يقرب من دقيقة
كل الغيبة دي
تم نسخ الرابط