رواية رحلة اثام بقلم منال سالم
المحتويات
اسم صاحبها فهزت هامسة
ممدوح!
تبدلت تعبيراتها المتجهمة وصارت أكثر ارتخاء وسرورا أطلقت تنهيدة بطيئة من صدرها لتهمهم في حبور وقد تألقت في عينيها نظرة متحمسة
ده ذوق خالص
أحست تهاني بالانتشاء والرضا عن حالها وهي تستشعر مدى لهفة الاثنين عليها وتحديدا ذوي السلطة والمال والكلمة المسموعة زاد غرورها بداخلها وإحساسها المنتشي عندما التفتت بتمهل لتجد مهاب واقفا على عتبة الغرفة صدمها رؤيته وتداركت نفسها لتتطلع إليه باستغراب فدنا منها ملقيا عليها التحية
تقدمت ناحيته بثبات وقالت وهي تضم باقة الورد إلى صدرها عن عمد لتثير اهتمامه
صباح النور يا د مهاب
حدث ما دبرت له لحظتها فسألها وعيناه تطوفان بفضول على ما معها
أخبارك إيه
أجابته بابتسامة رقيقة
الحمدلله
استطرد مشيرا بنظراته للباقة الملفتة
شيك أوي الورد ده
دار في خلدها أن تستغل الأمر لصالحها أن تشعره بالغيرة تستفز مشاعره الذكورية تجاه منافس آخر يحاول كسب ودها ربما قد يحسن ذلك من فرصتها مع أحدهما وإن كانت كفة الميزان ترجح ميلها لجهة مهاب ورغم هذا أبقت الأمر في وضع المساومة حتى اللحظة الأخيرة حافظت على نقاء بسمتها وقالت بدلال خبيث وهي تسبل عينيها
مط فمه للحظة وعلق بفتور
حلو
تابعت قائلة بمكر الثعالب
الصراحة ذوقه جميل
هز رأسه مرددا
معاكي حق
مجددا قربت الباقة من أنفها لټشتم رائحة الورود واختلست النظرات إليه فلمحت على وجهه المسترخي القليل من الانزعاج فابتسمت في زهو وقد نجحت خطتها الساذجة لاحظت كذلك نظرته العابرة من فوق كتفها لمن تتواجد معها بالحجرة قبل أن يحيد ببصره عنها مستأذنا بصوت شبه منخفض
أسندت الباقة على مكتبها وهي ترد
أكيد طبعا
تحركت بخفة للخارج لتلحق به لكن دقات قلبها المتحمس راحت تدق في سرعة وجدته ينتظرها على مسافة عدة أمتار فأشار لها بيده لتأتي إليه وبعدها استأنفا المشي معا في الردهة توقف فجأة ليسألها وهو ينظر في عينيها
إيه رأيك لو سافرتي معايا المؤتمر اللي جاي
مؤتمر!!!
أخبرها موضحا وكأنه يستحثها على عدم الرفض
أيوه دي فرصة تكتسبي خبرة وتعرفي الجديد في عالم الطب والبحث العلمي
انعكس التردد على تعابيرها وأفصحت عنه عندما تعللت باعتذار لبق
مش هاينفع أنا عندي محاضرات وآ
قاطعها بإصرار وهو يرمقها بنظرة واثقة مملوءة بالغموض المثير
عضت على شفتها السفلى في خجل مصطنع وأطرقت رأسها قليلا لتبدو وكأنها تستحي منه فألح عليها بصوته الهادئ
أنا حقيقي نفسي تكوني معايا المرادي
كانت على وشك النطق بشيء لكنه عارضها بقدر من التحكم
مش مسموحلك ترفضي
استلذت طريقته المسيطرة في محاولة جذبها إليه وردت
حاضر
نظر في ساعة يده وأخبرها
عندي دلوقتي عملية نتقابل بعدين عشان نتكلم في التفاصيل
دون أن تخبت ابتسامتها قالت
ماشي
شيعته بنظراتها اللامعة ولوحت له بيدها وهو ينصرف مبتعدا عنها لترتكن بعدئذ بظهرها للحائط وهي تخاطب نفسها في صوت مهموس حالم للغاية
شكل الدنيا ضحكتلك يا تهاني
مرة أخرى حررت تنهيدة عميقة من صدرها لتردد في نبرة متمنية
بكرة تقولي للفقر والقحط مع السلامة
همت بالعودة إلى حجرتها لكن استوقفتها واحدة لم تتوقع أبدا ظهورها هنا اتسعت عيناها
ابتهال!
وضعت الأخيرة ابتسامة عريضة على وجهها قد تصل من الأذن للأخرى وسألتها وهي تهز رأسها للجانبين في مرح غريب
إيه رأيك في المفاجأة دي
في التو تجهمت ملامحها واختفت الإشراقة الناعمة من على محياها كانت متيقنة أنها لن تتركها لحالها
حتما ستغرقها بالأسئلة المتطفلة لتستعلم عما لا يخصها بفضول مثير للحنق سرعان ما تابعت السير بتعجل وهي متلفحة بالصمت لحقتها ابتهال شبه راكضة وهي تصيح مسترسلة في الكلام
أنا خلصت بدري قولت أفوت عليكي أشوف بتعملي إيه!
ثم لكزتها في جانب ذراعها وهي تردد بلؤم
أومال مين الشاب الحليوة ده
توقفت تهاني مرة واحدة بعد جملتها الموحية وحدجتها بنظرة قاسېة محتجة على تصرفها الغليظ المتدخل في شئونها زفرت الهواء بعمق قبل أن تجيب على سؤالها بآخر مراوغ وبصوتها لمحة استنكار
شاب مين
راحت تصف مظهره الجسماني مستخدمة يديها في التوضيح
أبو شعر مسبسب واللي طوله جايب السقف وكتافه عريضة ده أنا حتى معرفتش أشوفك منه
نفخت عاليا وأجابتها وقد فهمت من تقصد بكلامها المتواري
ده الدكتور مهاب رئيس قسم الجراحة
التمعت عيناها بقدر من الحسد ومالت عليها لتقول بغمزة خاطفة
يا وعدي مسئول القسم بذات نفسه
ثم اعتدلت في وقفتها وصفقت بيديها في غبطة وهي تخبرها
بيضالك في القفص يا توتو!
دفعتها من كتفها لتمر وهي تغمغم في صبر شبه نافد
استغفر الله العظيم بلاش نبر الله يكرمك ده مجرد زميل هتألفي حوار من غير ما يكون في حاجة أصلا!
ضحكت من خلفها وقالت بسماجة
هي بتبدأ بكده
أطبقت على جفنيها للحظة قبل أن تهمس في حنق مزعوج
خلصني يا رب منها
لازمتها ابتهال معظم الوقت محاولة اكتشاف ما تفعله في هذا المشفى الضخم بالإضافة لفرض نفسها على الآخرين وكأنها تعتقد بذلك أنها ذات قدرة فائقة على صنع الصداقات من العدم رغم تحفظ المعظم في التعامل معها
على عكس ما تخيلت صار كل شيء سلسا منظما وبدون أدنى متاعب لتجد نفسها بعد عدة أيام تستقل الطائرة إلى جوار مهاب الجندي تلبية لدعوته المميزة لحضور هذا المؤتمر الطبي المقام في إحدى الدول الأوربية كانت هذه زيارتها الأولى لبلد كهذا فتحمست كثيرا ولم تبخل على نفسها للاستمتاع بأيامها هناك لم ترغب في الظهور بمظهر متدن أمامه فاحتارت وتحيرت فيما تأخذ من ثياب بالكاد اشترت من نفقاتها ما وجدته ملائما بعد جولة في المحال التجارية وفي نفس الوقت يبث الدفء لجسدها تململت في جلستها والتفتت ناظرة إليه عندما سألها في اهتمام
مبسوطة
هزت رأسها مرددة في الحال
أكيد
سألها مرة أخرى باسما
أول مرة ليكي صح
أجابته بإيماءة خفيفة
أيوه
في جرأة مدروسة امتدت يده ليضعها فوق كفها المبسوط على مسند الأريكة ورفعت نظرها لتحدق فيه بفم شبه مفتوح فحافظ على ثبات بسمته المنمقة وهو يخاطبها
ومش هتكون الأخيرة طالما إنتي معايا
لم تعرف بماذا تعلق فكل ما يفعله من تودد مقنع يوحي بانجذابه إليها اكتفت بالابتسام خجل ثم قامت بسحب يدها من أسفله في تحرج لتحدق في النافذة البيضاوية المجاورة لها وهي تشعر بتدافع دقات قلبها التصقت ابتسامة سعيدة للغاية
لم تنجح في إخفائها وكيف لها أن تواري عن فرحة تشعر في أعماقها أنها باتت وشيكة الحدوث
لفحتها برودة غير عادية عندما وطأت قدماها خارج المطار فضمت ياقتي معطفها الأسود ونظرت إلى السماء فكانت ملبدة بالغيوم الرمادية انكمشت على نفسها محاولة مقاومة إحساس البرد الذي تغلل إلى أطرافها وتفشى في جسدها كسرعة البرق أحست تهاني بيد تتلمس ظهرها فانتفضت بقلق ونظرت جانبها لتجد مهاب يخاطبها
العربية واقفة هناك
نظرت إلى حيث أشار بعينه فرأت سيارة ليموزين سوداء اللون تربض بمحاذاة الرصيف يقف أمام بابها الخلفي أحدهم وكأنه في انتظارهما تركته يقودها إليها وهي تسير بتعجل محاولة تصديق أنها حقا ستركب واحدة كتلك استقرت بالمقعد الخلفي إلى جواره وشعرت بشيء من الدفء يتسلل إليها غاصت بالمقعد وتركت شعور الانتشاء يلفها ثم ألقت نظرة مټألمة لما يطوف عليه بصرها عبر النافذة حقا بهر نظرها كل ما تعايشه من فخامة ورقي حتى في الاستقبال والمعاملة شعرت وكأنها ملكة متوجة والخدم يتراصون عند قدميها لتنفيذ كل ما ترغب فيه دون نقاش كم ودت أن تدوم هذه اللحظات إلى الأبد فلا تفيق من حلم الراحة والتدلل مطلقا!
آنئذ طاف ببالها لمحات مقتضبة لواقعها البائس في الحارة الشعبية وما بها من مظاهر بؤس وفقر مدقع بالكاد نفدت بجلدها وطفت على سطح ذلك المستنقع قبل أن تفر منه بأعجوبة آه لو لم تعاند وتتشبث بقرارها بالسفر لربما كانت الآن تجلس عند قدمي ذلك النقاش تدعكهما بالماء والملح! ابتسمت في سخرية مريرة قبل أن تترك ما يزعجها جانبا وتركز كل اهتمامها على ما تنعم به حاليا أحضرها مهاب من شرودها الصامت بكلامه المرتب وهو يرتشف من كأس المشروب الملاصق لجانبه من السيارة
احنا هنروح افتتاحية المؤتمر الأول وبعد كده هنطلع على الفندق نرتاح شوية
تفاجأت بإقباله على شرب الخمر ووارت ذلك الشعور بالضيق خلف ابتسامة لبقة مرسومة بعناية هزت رأسها بتفهم فأكمل باسما وكأنه يقطع وعدا لها
بس بعد كده هخدك في جولة بالبلد هنا ممكن تقولي فسحة على مزاجك
بدت سعيدة بهذا الاقتراح وتكلمت في رعشة خفيفة
أنا متخيلتش إن المكان ساقع كده
أخبرها وهو يميل ناحيتها بعدما ترك كأسه في موضعه
أوروبا معروفة بجوها البارد
ثم أمسك بكفها ليحتضنه بين راحتيه نظرت له مدهوشة وقد صدمها بما يفعل لم يحرر يدها رغم محاولتها استعادتها وأطبق عليها بين أصابعه في قوة طفيفة ليدلك بشرتها برفق وفي حركة دائرية خفيفة قبل أن يرمقها بهذه النظرة القريبة وهو يهمس لها بإيحاء خطېر
إنتي بس محتاجة تدفي شوية وأنا عارف حل ده إزاي
طالعته عن كثب مستشعرة الحرارة المنبعثة من جسده حينما صار قريبا منها إحساسها كأنثى لا ېكذب هو يشعر بالميل تجاهها سحبت يدها قائلة برسمية مقنعة وهي تبتعد عنه
ميرسي يا د مهاب حضرتك إنسان قبل ما تكون دكتور
أرادت تذكيره بما هو عليه بالنسبة لها ليستفيق من دوامة الخيالات التي استحوذت عليه جراء ما تجرع لدهشتها لم يتحرك وظل مائلا تجاهها ليخبرها بمكر
بس معاكي بكون حد تاني خالص مختلف عن اللي اتعودت عليه
كلامه المعسول وما على هذه الشاكلة من تنهيدات مفعمة بالأشواق والأمنيات اخترق وجدانها وأسكرها بلا شرب فرجت بشدة أن يحدث المراد وتتخذ علاقتهما إن كانت جادة حقا شكلا رسميا تحفظت في الرد عليه وهي تضع يدها على ياقة معطفها
أنا مش واخدة عليك
ضحك باستمتاع قبل أن يوضح لها
احتجت على تبريره قائلة بشيء من الھجوم
أظنه مايناسبنيش
حافظ على بسمته المتسلية وهو يخبرها
لأنك بس
مش متعودة
زادت من نقدها الحاد له وهي ترد عليه
المفروض حضرتك دكتور مهم رئيس قسم الجراحة ومحتاج تكون مركز إزاي هتقدر تقوم بعملية وإنت يعني مش في وعيك!!
أدار دفة الحديث المهاجم له ووجهها إلى شيء مغاير أراد به أن يصيب هدفه في مقټل دون عناء فسألها بجدية لا تخلو من الابتسام
إنتي خاېفة عليا
تحرجت نسبيا من نظراته وطريقة سؤاله فتنحنحت قبل أن ترد
حاجة زي كده!
ليزيد من حبك حبائله الماكرة عليها أوهمها أنه يخشى من إغضابها فضغط على زر فتح النافذة الملاصقة له لتبصره وهو يمسك بالكأس ليلقي به ومن ورائه زجاجة الخمر انفرجت شفتاها في دهشة أكبر فأغلق النافذة واستطرد قائلا بهذه النبرة العذبة وعيناه
متابعة القراءة