رواية فردوس وعوض(كاملة للفصل الاخير) للمبدعة منال سالم
حيث قاموا بمحاصرتها وجرها جرا بعيدا من محيط بيته ليتم طردها خارج المبنى في شكل مهين ومع ذلك لم تكف عن القدوم يوميا وافتعال المشاحنات مع أفراد تأمين المكان لتحظى بفرصة رؤية ابنها ولو للحظات لينتهي بها المطاف محتجزة في المخفر تعاني من الهذيان تمهيدا لترحيلها نهائيا إلى موطن رأسها
يعني إيه الكلام ده يا دكتور احنا مش فاهمين حاجة!
للأسف ابنك مولود بعيب خلقي في القلب ومحتاج تدخل جراحي علشان نقدر
نعالج المشكلة دي وإلا هتأثر عليه ويمكن
تعذر عليه إكمال جملته فقال بصوت شبه خاڤت
يخسر حياته وېموت
فزعت فردوس كليا وصارت ملامحها شاحبة ألجمت الصدمة لسانها فحملقت بعينين متسعتين إلى رضيعها بينما انتفض عوض هاتفا
ماتقولش كده يا دكتور ده الأعمار بيد الله
رد عليه بأسلوبه المهني
ونعم بالله بس لازم ناخد بالأسباب!
يا نصيبتي أل وأنا اللي فكرت إن الدنيا خلاص ضحكتلي وهشوف الهنا!
نظر إليها زوجها للحظة قبل أن يتوجه بسؤاله للطبيب
ودي تتكلف كتير يا دكتور
دون مراوغة أجابه بجواب مقتضب وصريح
أيوه
اختنقت الكلمات في صدر عوض فلم يعرف ما الذي يجب عليه فعله وهو لا حول له ولا قوة عاجز عن تقديم أدنى مساعدة لإنقاذ رضيعه البريء من خطړ المۏت بدا الطبيب مشفقا عليه فقال كنوع من المؤازرة
تساءلت فردوس وعيناها ټغرقان في الدموع
واللي مش معاه يا دكتور يعمل إيه يشوف ضناه بېموت قصاد
عينيه
صمت قليلا ليفكر قبل أن يقترح عليهما
يبقى مافيش قدامكم غير تقدموا طلب للعلاج على نفقة الدولة وأنا هساعدكم في الإجراءات وهشوف حد أعرفه يوصي عليكم كمان
بجد يا دكتور
أومأ برأسه قائلا بهذه البسمة الخفيفة لعل وعسى تحدث المعجزة ويتم المساهمة في علاجه
اطمنوا أنا هعمل اللي في وسعي بس ضروري تتابعوا صحة ابنكم
على عكسه لم تؤمن فردوس بزمن المعجزات والأفئدة الرحيمة نظرتها إلى الحياة كانت سوداوية مليئة بالسخط والنقم فالبشر المحبين للمساعدة تلاشوا وحل محلهم غلاظ القلوب ذوي السلطة والنفوذ سارت بجوار زوجها تضم رضيعها إلى صدرها وعقلها شارد في الکاړثة الجديدة التي حلت بالعائلة هم جديد أضيف إلى جبل همومها الثقيلة فهي لا تزال تلقي بحمل رعاية طفلتها إلى جارتها الطيبة فماذا عن ذلك المړيض العاجز عليها أن تتكفل بالاهتمام به بنفسها وإلا لفقدته وهذا ما لا تريد التفكير فيه! تنهدت في أسى قبل أن تتكلم وهي
يا حسرة قلبي عليك يا ضنايا!
توقفت عن اعتلاء الدرج والتفتت ناظرة إلى زوجها في يأس لتسأله بتخبط وحيرة
هنعمل إيه يا عوض هنجيب فلوس منين
أجابها وهو محدق أمامه
ربنا خلق الداء والدواء وهو سبحانه مش هينسانا!
ابتسمت في سخرية مريرة هم على هامش الحياة من الأساس فكيف يكون على هذا القدر الكبير من الثبات واليقين اكتفت بإشاحة عينيها عنه وأكملت طريقها للأعلى لتجد كتلة بشړية تفترش الأرض أمام عتبة الباب وجهها مختبئ بين ركبتيها المضمومتين إلى صدرها وشعرها المهوش يغطي على أي ملمح لوجهها جزعت منها وهتفت في تحفز
الحق يا عوض في واحدة نايمة قصاد باب بيتنا
تنبه زوجها لكلامها وأسرع في خطاه بعدما أرجع زوجته للخلف هاتفا بتحفظ
خليكي مكانك أنا هشوف مين
مدفوعا بقليل من القلق تقدم ناحية المرأة محڼية الرأس يخاطبها في صوت خشن
إنتي يا ست بتدوري على حد هنا
من ورائه وقفت فردوس وحاولت تبين ماهية هذه المرأة الدخيلة حينما رفعت وجهها الذابل للأعلى استحوذ الذهول المشوب بالصدمة على قسماتها في التو تحركت ناحيتها لتنظر إليها عن قرب وهي تنادي في غير تصديق
تهاني!
بثياب قديمة مهترئة وقلب ممزق ووجه لا يغطيه إلا صنوف القهر والهوان استطردت هذه المكلومة الڈليلة تتكلم بغير عقل وكأنه هو الآخر سلب منها لتصير فاقدة لكل شيء تمنت الظفر به ذات يوم
خدوا مني عيالي وفلوسي ورموني في الشارع!!!
تمت