رواية فردوس وعوض(كاملة للفصل الاخير) للمبدعة منال سالم
المحتويات
ذنبك مني
ارتفع صړاخها الموجوع وهي ترفع كفيها للأعلى كأنما تشكوه لمن خلق السماوات والأرض
حسبي الله ونعم الوكيل
جاءت إحدى الممرضات إلى العنبر ونهرت فردوس على صياحها المزعج
ماينفعش اللي بتعمليه هنا في عيانين وحالات حرجة!
ثم حاولت دفعها للخارج وهي تطلب منها
اتفضلي لو سمحتي
تجاهلتها فردوس وظلت تلوم على بدري بحنق أشد
تكلمت الممرضة من جديد بلهجة شبه صارمة موجهة هذه المرة حديثها إلى عوض
يالا يا أستاذ
كانت آخر كلمة سمعها منه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة
ويلقى ربه
سامحني
انخلع قلبه لرؤية جسده يسكن
تماما فصاح يناديه بجزع فزع
بدري! أخويا!
الأيام التي سبقت هذه الليلة تحديدا مرت عليها مصحوبة بالتوتر والاضطراب ولما لا تصاب بالأرق والارتباك وهي تعلم تمام العلم أنها على وشك الزواج بآخر غير زوجها وبعلمه الكامل أيعقل ذلك مع شخصية ك مهاب كل شيء مباح! لم تعرف تهاني ما الذي يجب عليها فعله الرفض لم يكن خيارا متاحا والقبول كذلك لم يكن أمرا هينا كانت تتحرق بين نارين ورغم ذلك التخبط المقلق إلا أن رضخت في الأخير عصفت بها انتفاضة قوية وباب غرفة النوم يفتح تخشبت في موضعها متوقعة حدوث الأسوأ لكن هدأت مهاجها الملتاعة مع ظهور الخادمة فقد جاءت لتطلب منها الذهاب إلى غرفة المكتب حيث ينتظرها البقية لإتمام مراسم عقد القران صرفتها بلطف واتجهت إلى المرآة لتتأمل هيئتها نظرة ملية ألقتها على ملامحها ما زال يعتريها الخۏف وحتى نظراتها تعكس ذعرها ظلت تخاطب نفسها وهي تحاول مقاومة هذه الرعشة الخفيفة التي تنتابها
تحسست صدغها وكذلك جبينها قبل أن تواصل الكلام في هسهسة خائڤة
إنتي اتكتب عليكي تسمعي كلامه حتى لو حاجة مش مريحاكي
قاومت ذلك الشعور المناقض الذي يناوشها بشأن استمالتها ل ممدوح فهي تخشى من ردة فعل مهاب إن علم أن ارتباطها به يستهويها نوعا ما تنفست بعمق وقالت في جدية
كله عشان خاطر ابنك
أوس! طب هقوله إيه
بهتت تعابيرها وسؤال آخر يلح في رأسه لم تجرؤ على النطق به
يا ترى لما هيكبر هيعرف أمه ضحت بنفسها إزاي عشانه ولا أبوه ممكن يقلب عليا!
لم تذعن لهذا الأفكار السوداوية وقالت في عزم
بلاش أسبق الأحداث خلي الليلة دي تعدي على خير الأول
إليها ويمكث بها لساعات دون أن يجرؤ أحد على الدخول إليه إلا لو قام باستدعائه فيما عدا الخادمة كانت تختفي لوقت طويل وكأنه يعجز عن تفسير سبب بقائها لهذه المدة
اختبأ أوس في الزاوية وحاول رؤية ما يدور من موضعه دون أن يلمحه أحد وقعت عيناه على والدته وهي تجلس بارتباك لافت على الأريكة عرف ذلك من طريقة هزها لساقيها كذلك استغرب من ارتدائها لثوب أبيض اللون فقد كانت لا تحبذه حرك بصره نحو من يجلس مجاورا لها وجد رفيق والده السمج يميل ناحيتها ليهمس بشيء في أذنها تشنج وجهه وانزعج من قربه هذا حجب عنه الرؤية ذلك الجسد الضخم لأحدهم لكنه استطاع أن يلمح عدة أوراق في يده تحير كثيرا فيما يحدث بينهم أرهف السمع محاولا تفسير تجمعهم المريب ذلك بتفكيره الصغير والمحدود لكنه لم يتمكن بعد برهة انصرف
أحدهم فيتعرض للتوبيخ استطاع أيضا أن يميز صوت والده وهو يقول فجأة
كده نقدر نبارك ليكم
سمع صوت ممدوح يسأله بجدية
إنت متأكد يا مهاب إنك مش عاوز حد يعرف
رد عليه والده في صرامة
دي حاجة عائلية متخصش حد
تحرك بصر الصغير نحو والدته عندما تساءلت في صوت مهتز
وأوس!
أخبرها وهو يمد يده بكأس المشروب إليها
هو لسه صغير مايفهمش حاجة وبعدين أمه مارحتش لحد غريب يعني!
رغم صغر سنه إلا أنه شعر بالاستياء لم يسترح له ولم يستسغه وما أكد هذا الشعور المنفر بداخله استهجان أمه الواضح
مايصحش الكلام ده
ضحك ممدوح ساخرا فاتجه أوس بناظريه إليه ليجده يعلق باستهزاء
هو مغلطش يا تهاني أنا يعتبر من العيلة!
طريقته تلك كانت مقيتة منفرة باعثة على الانقباض راقبه أوس بعينين ناريتين وراح يكز على أسنانه في غيظ حانق منه سرعان ما أشاح ببصره ليحدق في أبيه عندما تكلم
وبعدين الوضع ده مش هيستمر كتير
تحير في تفسير الأمر وانتبه لوالده وهو يكمل
يدوب لحد ما أرجع من السفر ساعتها كل حاجة هترجع زي ما كانت
لم يرفع أوس عينيه الحانقتين عن وجه ممدوح حين تساءل بصوته الهادئ السمج
برضوه مصمم
أجابه مهاب بما صدم الصغير تماما وجعل رأسه يتحير ويرتبك
ترضى أشوفك في حضڼ مراتي
ازداد صدمة وذهولا ورفيق والده المزعج يصحح له مقولته
كانت إنت طلقتها ودي رغبتك من الأول إني أتجوزها! أنا ماغصبتكش!
التصق ظهره بالحائط وتوقف عن مراقبة ثلاثتهم بنظراته المصډومة فما يحدث يفوق قدرته على الاستيعاب أو التفسير بكثير تضاعف التوتر ب تهاني فانطلقت تترجوهما بتوتر كبير
كفاية يا جماعة الكلام ده أنا أعصابي مش مستحملة
ضحك الاثنان منها فوزعت نظراتها بينهما وقالت كأنما تشعر بوجود ابنها وإن لم تكن تراه فعليا
وأرجوكم مافيش داعي أوس يعرف بده هو صغير ومش هيستوعب حاجة
استهزأ بها مهاب فقال في غير مبالاة
اهدي يا عروسة مكبرة الموضوع ليه ما يعرف عادي
شاركه ممدوح في نوبة الاستهزاء بها وأضاف هو الآخر بأسلوب مال للسخرية الوقحة
بالظبط أنا هبقى في مقام أبوه وقايم بدوره كمان
تلميحه الأخير كان فجا في طياته لذا حذرته تهاني بنبرة شبه حادة
دكتور ممدوح!
عاتبها بطريقته الملتوية في إشعارها بالذنب
دكتور ده أنا بقيت جوزك ينفع كده الرسمية دي بينا
علق مهاب ببرود مغيظ وكأن ما يحدث لا يهمه من الأساس
سيبها مفكرة نفسها بكر لسه وبتتكسف!
تجرأ الصغير أوس على معاودة النظر إليهم فكان أول من تسلطت عليه نظرته هو والده المتكلم في شيء من الاستمتاع
طب ما إنت عارف اللي كان بيتعمل فيها وبالتفاصيل!
كلمات أخرى تحمل في مضمونها ما لا يريح حاول أوس تجاوز ما يسمعه ولا يفهمه لينظر إلى والدته المتسائلة في قدر من الانفعال بعدما هبت واقفة
إنت بتتريق!
وقف مهاب قبالتها وبدا في ملامحه وطريقته الټهديد الصريح وهو يخاطبها
إيه مش عاجبك!
نهض ممدوح في التو وحال بينهما بجسده مشكلا حاجزا قويا ثم خاطب رفيقه في هدوء
مهاب بالراحة!
ثم حول الأمر إلى مزحة سمجة بتعقيبه الموحي وهو يغمز بعينه
مش عاوز ليلتي تبوظ معاها
ربت على كتفه مرددا بابتسام
ماشي يا وحش! هسيبكم سوا وألحق ميعاد طيارتي
عقب عليه بتلميح مفهوم
ما تطولش عشان أردلك الأمانة!
أوجز في رده الغامض
أكيد!
لم يعد هناك ما يقال لذا متسترا بالعتمة المنتشرة من حوله انسحب أوس من المكان بعدما علم بما لم يجب عليه معرفته لكن إحساسه الداخلي أكد له أن وجود هذا الشخص البغيض كأمر واقع ومفروض عليه في حياته لن يكون بشيء طيب على الإطلاق !!
يتبع الفصل الرابع والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
حيل لا تنضب
صوت احتكاك إطار السيارات والمصحوب بصوت تشغيل المحرك أكد له أن والده قد غادر بالفعل محيط المنزل في هذه الساعة
المتأخرة تاركا خلفه رفيقه المتطفل ووالدته الحزينة وليتأكد من ظنه انطلق أوس تجاه النافذة أزاح طرف الستارة البيضاء ونظر بعينين ضيقتين إلى البقعة الخالية بالأسفل تأهبت حواسه فجأة وكأن نداء الاستنفار سرى بها عندما سمع أصواتا متداخلة تقترب من غرفته في التو اندفع ركضا تجاه فراشه ثم استلقى عليه وسحب الغطاء على جسده مدعيا استغراقه في النوم العميق
في هذه الأثناء وبهدوء شديد الحذر قامت تهاني بفتح الباب وأطلت منه دون أن تزيح يدها من على المقبض كأنما تخشى إن فتحته أن توقظ صغيرها بطريق الخطأ من خلفها وقف ممدوح يسألها بشيء من المزاح الثقيل
إيه يا حبيبتي إنتي هتباتي الليلادي عنده ولا إيه
أجابته بصوت شبه مرتجف كما لو كانت تتحرج مما حدث
كنت عاوزة أطمن عليه صعبان عليا أوي اللي بيحصل معايا ومعاه!
اعترض عليها في نبرة جادة مشوبة بالحقد رغم خفوتها
ما هو كويس وبخير أهوو ده ابن مهاب وأبوه زي ما إنتي عارفة مستعد يجيبله الدنيا كلها تحت رجليه
ما لبث أن تحولت نبرته للسخرية حين أكمل
ده في سابع نومة مش دريان بحاجة
ليخاطبها في همس عابث
خليني أنا أبات في حضنك ما تحرمنيش من قربك ده
وقتئذ تشنجت عضلات أوس وتحفز في نومته فهذه العبارة لم تكن مريحة أو مقبولة له بالمرة تحيرت أفكاره وأصابه التخبط فكيف لأمه أن تسمح لهذا اللزج بلمسها والتودد إليها هناك أمر ما خاطئ يحدث وهو لا يستطيع تفسيره أو فهمه
سحبها ممدوح للخارج على مرأى ومسمع من الصغير الذي بقى متجمدا في موضع نومه يشاهد بنصف عين ما يدور باستنكار جلي
رغما عنه أجبر أوس على مشاهدة توددهما الحميمي بهذا الشكل الفج والنافر مما جعل عقله يصاب بشيء من الصدمة والذهول انفلتت شهقة خجلى مصحوبة بضحكة مائعة من تهاني حينما انحنى ممدوح قليلا ناحيتها ليحملها على كتفه ركلت بساقيها في الهواء بخفة وسألته في غنج خجل
إنت بتعمل إيه نزلني!
أخبرها وهو يهم بالسير بها بعيدا
كان نفسي أعمل كدده من زمان
هتفت في التو وكأنها انتبهت لمدى التجاوز الدائر أمام غرفة صغيرها
طب استنى أقفل الباب لأحسن أوس يصحى أو يشوفنا
ضحك في تسلية وبصوت شبه مرتفع ليقول بعدها بغير مبالاة
وماله خليه يتعلم إزاي يدلع حبيبته ويبسطها!
لحظتها انقبض قلب الصغير بشكل مفزع وبدا رافضا لهذا التجاذب غير المستساغ بينهما ظل عقله يمتلئ بعشرات الأسئلة دون أن يجد لها أي إجابة مقنعة أين والده من ذلك لماذا رحل ليلا وترك أمه مع غيره يفعل بها مثلما اعتاد أن يفعل حينما يختليا معا أليس من المفترض أن ينصرف رفيقه قبل ذهابه أخذ يفكر ويعتصر رأسه محاولا استيعاب الخلل الحاډث في
متابعة القراءة